هل النفي الإسرائيلي عن إسقاط طائراتها هو الاعتراف بإخفاق الهجوم ضد سوريا؟ ا
يبدو أن العملية الإسرائيلية ليلة أمس الخميس في الجنوب السوري قد شوشت أو حتى أخفقت، إذ أن التلعثم الذي أصاب القيادة العامة في جيش الاحتلال لم يكن متوقعا.
ففي البداية، بعد الإعلان السوري الرسمي عن إسقاط طائرات حربية إسرائيلية بواسطة المضادات الجوية، حافظت تل أبيب على الصمت المطبق، كما كانت تفعل في كل مرة تقوم بعملية هجومية في الأراضي السورية، ولكن بعد مرور ساعات على العملية، خرج الناطق العسكري الإسرائيلي في بيان استثنائيّ ونفى نفيا قاطعا الرواية السورية عن إسقاط الطائرات واصفا إياها بالكاذبة، ولكن في الوقت عينه اعترف بأن صاروخا من طراز (غراد) أصاب الجزء المحتل من هضبة الجولان العربية السورية، دون أن يفصح عن تفاصيل أخرى.
جديرٌ بالذكر أن الإعلان السوري الفوري عن الهجوم والتصدي له كان ثمرة تنسيق وتعاون بين موسكو ودمشق، الأمر الذي حشر “إسرائيل” في الزاوية، وألزمها على السماح لوسائل الإعلام العبرية باقتباس بيان الناطق العسكري فقط، مع أن السياسة الإسرائيلية المتبعة تقضي بعدم تحمل مسؤولية العملية ومواصلة سياسة الضبابية.
علاوة على ذلك، يستشف من الرد الإسرائيلي الإعلامي أن تل أبيب تورطت مرة أخرى مع الروس، ومن غير المستبعد بتاتا أن تكون العملية قد فشلت فشلا مدويا، حتى بدون استخدام منظومة الصواريخ من طراز إس300، ولكن على النقيض إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الحديث يدور عن دولة مارقة وبلطجية، فإن الأمر قد يبدو تحديا للفيتو الروسي بشأن العمليات الإسرائيلية في الأراضي السورية، وهذا يعبر عن المأزق الذي تعيشه الدولة العبرية منذ إسقاط الطائرة الروسية فوق مدينة اللاذقية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والأزمة المتفاقمة التي نتجت عن الحادثة بين تل أبيب وموسكو، والتي ما زالت تتفاقم وتشتد من يوم إلى آخر، حيث ألزمت “إسرائيل” بوقف عملياتها العدوانية بسبب الخشية والتوجس والخوف من رد الدب الروسي.
مضافا إلى ما ذكر أعلاه، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن “إسرائيل” ما كانت لتقوم بهذه العملية لو علمَت مسبقا أن السوريين سيكشفون عنها فورا خلال وقوعها، الأمر الذي يؤكد ربما نجاح المضادات الجوية السورية في اعتراض الهجوم والطائرات الإسرائيلية التي نفذت العملية، كما أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كيان الاحتلال قام بها، على ما يبدو، بعد أن تلقى الضوء الأخضر من إدارة الرئيس الأمريكي في واشنطن، دونالد ترامب، وهو أكثر رئيس داعم للسياسات العدوانية الإسرائيلية.
إلى ذلك، يشار إلى أنه في نيسان (أبريل) الماضي هدد الجنرال احتياط عاموس يدلين، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية، وضباط آخرين بأنه إذا زودت روسيا سورية بصواريخ اس300، فإن سلاح الجو الإسرائيلي سيقصفها، والآن صمت الصوت على الأقل حتى هذا الوقت، ولم تخرج هذه التهديدات إلى حيز التنفيذ. ويمكن القول إن روسيا حددت للعالم الطريق الواجب أن تسير فيها “إسرائيل”، وتعلمت اللغة الوحيدة التي تفهمها “إسرائيل”، كما أنه يجب أن يتعلم من يؤيدون المصالح الحقيقية لإسرائيل، ويتعلم من يؤيدون العدل: فقط بالقوة، وعندما تبدأ “إسرائيل” بتلقي العقوبات أو دفع ثمن، فقط في حينه ستحسن طريقها، إذ أن سلاح الجو سيفكر من الآن مرتين وربما أكثر قبل القصف القادم في سورية.
وفعلا منذ إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء السورية في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، ومقتل 15 عسكريا كانوا على متنها، توقف نشاط سلاح الجو في الأجواء السورية حتى ليلة أمس، كما أن روسيا قامت بتزويد دمشق بمنظومة الصواريخ المتقدمة من طراز أس300، ولم تفعل تل أبيب أي شيء لمنع هذا التطور الإستراتيجي.
وفي محاولة بائسة ويائسة للخروج من هذه المعضلة، على الأقل في المجال الإعلامي والحرب النفسية، انبرى أمس الخميس (قبل العملية) الجنرال يدلين ليقول في حديث إذاعيّ مع راديو 103 العبري إنه منذ حادثة إسقاط الطائرة العسكرية الروسية بالقرب من مدينة اللاذقية السورية، خفت إلى الصفر العمليات الهجومية لسلاح الجو الإسرائيلي في الأراضي السورية ضد مواقع عسكرية إيرانية وضد شحنات الأسلحة الإيرانية التي تنتقل من مطار دمشق الدولي إلى الجنوب اللبناني ليتسلمها حزب الله، زاعما في الوقت عينه أن السبب في ذلك يعود إلى قيام طهران بتغيير التكتيك الذي كانت تتبعه، وقامت بتقليص تمركزها في بلاد الشام، لصالح تموضعها في كلّ من لبنان والعراق، بحسب تعبيره.
وفي معرض رده على سؤال المذيعين الاثنين، اللذين أجريا المقابلة معه، قال الجنرال يدلين إنه إضافة إلى الغضب الروسي الشديد على “إسرائيل”، والذي تفاقم كثيرا في الآونة الأخيرة، فإن الروس قاموا بإيصال رسائل حادة كالموس إلى صناع القرار في طهران مفادها أن الإستراتجية الروسية تعمل بدون كلل أو ملل على تثبيت الاستقرار في الدولة السورية، وأن إيران تقوم بتعطيل هذه الإستراتيجية عن طريق إقامة مصانع الصواريخ الدقيقة في كلّ من سورية ولبنان، على حد ادعاء الجنرال الإسرائيلي، المقرب جدا من المستويين السياسي والأمني في تل أبيب.
وتابع الجنرال يدلين، الذي يرأس اليوم مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، تابع قائلا إن ذراعا عسكريا بين “إسرائيل” وإيران على الأراضي السورية لا يساعد ولا يساهم في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها موسكو في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وفي سورية بشكل خاصّ، وبالتالي أضاف، يمكن الآن ملاحظة التغيير في شكل النشاط الإيراني في سورية، على حد قوله.
وشدد الجنرال يدلين على أنه منذ إسقاط الطائرة الروسية حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مرارا وتكرارا ترتيب لقاء مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ولكن محاولاته باءت بالفشل المدوي لرفض الكرملين بشدة عقد مثل ذلك اللقاء، معتبرا أن اللقاء العابر بين الزعيمين الأسبوع الماضي في باريس لم يؤد إلى كسر الجليد بين نتنياهو وبوتين.
رأي اليوم من زهير أندراوس
from شبكة وكالة نيوز https://ift.tt/2FOz30r
via IFTTT
تعليقات
إرسال تعليق